Page 173 - الفلسفة والعلوم الانسانية الفصل الثاني - الثالث الثانوي
P. 173

‫تحليل نص (نحن والاعلام) *‬                                                                                       ‫‪5‬‬

‫إن الإعـان مـرآة لثقافـة حيـة‪ ،‬هـو الحلـم الـذي تـم إيقاظـه داخـل ثقافـة بأكملهـا‪ ،‬لقـد أصبـح هـذا‬
‫الخطـاب الخيالـي الدائـم مهيمنـا فـي حضارتنـا‪ ،‬لقـد أصبـح ناطقـاً باسـم نسـق اسـتهلاكي هـو الـذي‬
‫يؤسسـه‪ ،‬ويمنحـه غاياتـه‪ ،‬وبهـذا المعنـى فـإن الإعـان هـو الـكلام الثقافـي المهيمـن‪ ،‬إنـه يؤسـس ثقافـة‬

                    ‫شـعبية جماهيريـة‪ ،‬ويؤسـس قيمهـا ويفـرض نماذجهـا ويكـرس بلاغتهـا ولغتهـا‪.‬‬

‫إن الإعـان هـو لغـة تجاريـة‪ ،‬إنـه سـيناريو تركيبـي مفتـوح علـى التأويـل الدرامـي‪ ،‬وهـو دعـوة إلـى‬
‫الإسـقاط وتحريـف الـدور والبـؤرة التـي تحقـق فيهـا الأحـام والرغبـات‪ ،‬وبهـذا فهـو إسـتهام عمومـي‪،‬‬
‫كوميديـا ورغبـة يجـب أن تتحقـق‪ ،‬فمـن خـال فضائـل الشـراء يمكـن لـكل شـخص أن يجـد انعكاسـه‬
‫فيــه مثــا‪ ،‬حينمــا ســيبث الفــرد فــي المنتــج‪ ،‬مــن خــال الربــط بيــن الــدوال الاقتصاديــة (المنتجــات)‬
‫والمدلـولات الإعلانيـة (الصـور) قيمـة ثقافيـة‪ ،‬فـكل اسـتهلاك يسـتوعب المحـور اقتصاد‪/‬إشـهار باعتبـاره‬

                                                                                      ‫ثقافـة‪.‬‬

‫وهكـذا‪ ،‬فـإن مجتمـع الاسـتهلاك يسـتهلك نفسـه ذاتهـا علـى مسـتوى العلامـات ومـن خـال إنتاجـه‬
‫الخــاص‪ ،‬وبهــذا ينصهــر فــي تأمــل وجــه للأنــا لــم يكــن يعرفــه‪ ،‬فهــل مــازال لقضيّــة قبــول أو رفــض‬

                                                                        ‫الإعـان مـن معنـى؟‬

‫لا يمكننـا أن نرفـض لغـة وصـوت ثقافـة مـا دون أن نرفـض الثقافـة ذاتهـا‪ ،‬إن الإعـان هـو انبعـاث لنظـام‬
‫اجتماعـي واقتصـادي وسياسـي ويمكـن أن يكـون هـذا باعثـاً علـى الاطمئنـان ولكنـه صـدى لسـيكولوجيا‬
‫الجميـع‪ ،‬كل شـخص يتعـرف علـى نفسـه فيـه‪ ،‬وعلـى كل شـخص دخـل لعبـة الاسـتهلاك أن يعتـرف‬
‫بمسـؤوليته عنـه‪ ،‬وسـيصبح كل زبـون‪ ،‬امـرأة كام أم رجـاً‪ ،‬موضوعـاً مكرهـاً علـى الشـراء لكـي يتحـ ّدد‪،‬‬
‫وذاتـاً تحفـز الآخـر علـى الاسـتهلاك‪ ،‬وهكـذا سـيجد كل فـرد نفسـه ربمـا قسـراً مسـتهلكاً ومحـركاً‬

                   ‫للاسـتهلاك‪ ،‬ودون ذلـك سـيحرم مـن أي نمـوذج ويقـذف بـه خـارج المجموعـة‪.‬‬

‫قـد يبعـث هـذا الضغـط الدائـم‪ ،‬الـذي يتزايـد يومـا بعـد يـوم‪ ،‬والـذي يدفـع إلـى الاسـتهلاك الأوتوماتيكي‬
‫والقسـري‪ ،‬علـى الخـوف‪ ،‬ولكنـه يعـد جـزءاً مـن منطـق مجتمعنـا المتميـز بالوفـرة والاسـتهلاك‪ ،‬فـإن لـم‬
‫نكـن قـد وصلنـا إلـى هـذه الحالـة‪ ،‬فـإن الاسـتهلاك مـع ذلـك أصبـح فعـاً اجتماعيـاً‪ ،‬مصـدراً ومبـرراً‬
‫لنظـام مـن القيـم الأصيلـة يأخـذ بعيـن الاعتبـار الرمـز أكثـر مـن الوقائـع‪ ،‬والنمـاذج المثاليـة أكثـر مـن‬

                                                                                    ‫الأفـراد‪.‬‬

‫بيرنار كاتولا‪ ،‬الإعلان والمجتمع‪ ،‬ترجمة سعيد بنكراد‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬اللاذقية‪ ،‬ط‪2016 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.298-296‬‬  ‫‪*	 172‬‬
   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178